متلازمة الاحتراق النفسي .. عندما تكون وظيفتك مصدر “مرضك”

متلازمة الاحتراق النفسيكثير منا يشعر كما لو أن عليه ديناً ما تجاه الآخرين يجب أن يقضيه.. حتى لو كان على حساب نفسه! واليوم مع كل الضغوط التي نعيشها خاصة في ظل وباء كورونا والضرر النفسي والجسدي والاقتصادي الناتج عنها.. أصبح الوضع أصعب بأضعاف! لذلك أيا كان مجال عملك أو المسؤولية المطلوبة منك.. يجب ألا تصل إلى وضع كأنك تحرق نفسك من أجل الآخرين! بالمناسبة هل تعرف أنه علميا يطلق عليها ” متلازمة الاحتراق النفسي ” ؟

ADVERTISEMENT

والسؤال هنا.. هل تستحق وظيفتك ومحاولة إثبات نفسك للجميع، التضحية بصحتك النفسية؟

ماذا تعني متلازمة الاحتراق النفسي ؟

في البداية دعنا نخبرك أن هذا المصطلح تم استخدامه من قبل عالم النفس الأمريكي هربرت فريودنبرغ، كانت بداية استخدامه هذا المصطلح لوصف ما يعانيه الأطباء والممرضات، بسبب طبيعة عملهم التي تعتمد على مساعدة الآخرين، واليوم في ظل أزمة فيروس كورونا مازال الأطباء وطاقم التمريض هم الأكثر احتراقا من أجل الآخرين!

ADVERTISEMENT

حتى وإن كانت هذه المتلازمة تتعلق بالوظيفة تحديدا، لكن هذا لا يمنع أن صاحب كل وظيفة أو مسؤولية يكون عرضة لهذه الحالة أيضا! فقد تكون ربة المنزل (أو هي فعلا) كما يقال شمعة تحترق من أجل الآخرين، فهي من تتحمل مسؤولية أفراد أسرتها في كل وقت، كذلك الأب أو أي شخص صاحب مسؤولية عموما.

مهنتك التي بدأتها بشغف.. هي سبب مرضك اليوم!

للأسف كثير منا تعرض لهذه المشكلة، هل تذكر أول يوم عمل لك؟ الأمل والطموح والرغبة في إظهار أفضل ما عندك! لكن اليوم ومع رغبتك في الوصول إلى الكمال المستمر، كانت النتيجة عكس المتوقع! تعب نفسي وجسدي يتخطى مرهلة الإرهاق الطبيعية العادية التي نمر بها.

ADVERTISEMENT

كثير من الموظفين شاركوا حكايات الفترة الأولى لهم في وظيفتهم، ورغبتهم في الظهور بأنهم على قدر المسؤولية، فكانت النتيجة قول نعم دائما، وما كان يمكن القيام به بالأمس، أصبح مصدر ضغط اليوم.

والنتيجة أنه أصبح مطلوب أكثر مما يجب منك، فتضطر إلى (التضحية) بوقتك مع الآخرين، وصحتك الجسدية والنفسية، حتى ترضي رئيسك في العمل، أو ليتهامس زملائك فيما بينهم (بنجاحك).

البعض قد لا تكون مشكلته مع مدير العمل، بل زميل متنمر طوال الوقت، أو قد تكون من الأشخاص الذين لغوا حياتهم الاجتماعية تماما من أجل العمل، أو تجد صعوبة في التأقلم والاندماج مع الزملاء في المكتب بالأساس.

ADVERTISEMENT

أو قد تكون المشكلة مثلا في طبيعة العمل التي تتطلب ساعات طويلة من المجهود الجسدي والذهني، وهو ما يؤثر على صحتك تدريجيا، حتى تفقد القدرة على الأداء المطلوب.

وباء كورونا ومزيد من الضغوط القاتلة

منذ بداية عام 2020 ونحن نواجه تغييرات مختلفة، تركت آثارا سلبية على الجميع سواء كانت جسدية أو نفسية أو اقتصادية، وذلك بسبب وباء كورونا.. كم شخص تعرفه أو أنت نفسك تشعر بالضغط الرهيب في عملك منذ انتشار الوباء!

حسب بعض الإحصائيات في بريطانيا، كان الشباب ممن تبلغ أعمارهم 16 عاما إلى 24 عاما هم الأكثر تأثرا بخسارة وظيفتهم بسبب فيروس كورونا، خاصة أولئك الذين يعملون في قطاعات السياحة، والمطاعم.

ADVERTISEMENT

كثير من الشركات أعلنت إفلاسها وأخرى قامت بتقليل العمالة، تماشيا مع الوضع الحالي الصعب.. وقد تكون أنت نفسك تحملت عواقب هذه الأمور بالرغم من أنك مجرد موظف في المؤسسة.. نكاد نجزم أنك تتحمل مجهود وعمل أكثر مما سبق!

لا ننسى الخوف من الفيروس نفسه والاختلاط بالآخرين، بل والخوف من نقل العدوى لأسرتك التي تحتاج في نفس الوقت إلى مصدر الدخل لمواجهة متطلبات الحياة! إلى جانب القلق الدائم من أن تكون الشخص التالي الذي يفقد وظيفته، بسبب الأزمة العالمية الناتجة عن الوباء!

قد يكون تحملك لهذا الوضع، بسبب حاجتك للمال أو كنوع من الولاء لشركتك في أزمتها.. أو أيا كان سببك نحن ما يهمنا النتيجة هنا.. أنت عزيزي القارئ.. كيف حال صحتك النفسية والجسدية اليوم؟

ADVERTISEMENT

العمل من المنزل من اختياري إلى وضع إجباري!

نعم هي حقيقة، كثير من الشركات في مجالات العمل المختلفة، خصوصا تلك التي تنتمي طبيعة عملها إلى العالم الإلكتروني، لجأت إلى حل (كان اختياري) وهو تحويل عمل الموظفين من المنزل (أصبح إجباري)، توفيرا لنفقات كثيرة ولتعويض هذه الخسائر التي يعاني منها العالم.

حسب بعض الإحصائيات التي قامت بها منصة Monster الشهيرة للوظائف، وجدت نتيجة مسح تم إجراؤه على مجموعة من الموظفين بالولايات المتحدة، أن حوالي 69% من الموظفين العاملين من المنزل، يشعرون بأعراض متلازمة الاحتراق النفسي! بل قد تصدم إن عرفت أن هذه النسبة زادت بحوالي 20% مقارنة بشهر مايو الماضي!

وإن كان البعض يعتقد أن الراحة من الانتقالات والمواصلات وفرت الكثير من الضغوط الجسدية، لكن الحقيقة أن الضغوط الذهنية عوضت ذلك، وحسب رأي الخبيرة المهنية بمنصة Monster “فيكي ساليمي” فإن الاسترخاء الذهني لا يقل أبدا عن أهمية الاسترخاء الجسدي.

ADVERTISEMENT

من الاحتراق النفسي إلى الاكتئاب.. والسبب؟ بيئة العمل!

لكن ليس الجميع يعمل من المنزل أيضا، عدد كبير من الموظفين عادوا بشكل طبيعي (ظاهريا) إلى مكاتبهم، ليجد البعض أن بيئة العمل أصبحت أكثر سوءا من ذي قبل.

بالمناسبة قد لا تكون متطلبات وظيفتك هي السبب في ذلك الشعور المختلط بين الاحتراق النفسي والاكتئاب، بل بيئة العمل نفسها! فالكثير منا قد يعاني من الضغوط المستمرة سواء مع رئيس العمل أو حتى الزملاء أو أعضاء الفريق المسؤول عنه.

أحيانا إهمالنا لحالتنا وتجاهلنا للأعراض التي نشعر بها، قد يؤدي إلى عواقب أخرى غير محمودة مثل الاكتئاب! وكأن ينقصنا المزيد من المشكلات التي نحن في غنى عنها..

وبالرغم من وجود بعض الأعراض المشتركة بين الحالتين مثل الشعور بالإحباط والإرهاق الشديد! إلا أنه لا يجب التسرع في تحديد الحالة التي تمر بها، فالعلاج هنا يختلف.

أعراض متلازمة الاحتراق النفسي

صحيح أنه من الصعب فصل أعراض متلازمة الاحتراق النفسي تحديدا أو القول (هذا الشخص مصاب بها) بسهولة، خاصة مع تشابه الأعراض مع حالات أخرى، لكن هذا لا يمنع أن نذكر بعضا منها:

استنفاذ الطاقة والإجهاد شعور سئ كأنك لا تملك أي عاطفة، ولا تستطيع التعامل مع المحيطين بك، وتشعر كأنك مرهق ومتعب، وقد يصل الأمر أحيانا إلى الجسد فتظهر مشاكل المعدة!

الانصراف عن كل ما لا يتعلق بعملك يمكنك أن تتذكر الآن كم مرة قمت بالاعتذار عن مناسبة تخص عائلتك وأصدقائك!

انخفاض الأداء مع الشعور بالإرهاق وعدم وجود الحافز للاستمرار، بل قد تصل إلى مرحلة لا تعبر فيها عن قدراتك الحقيقة وتجد نفسك غير راضي عن نفسك أو أي إنجاز لك.

لا تكون (شمعة من أجل الآخرين) في كل الأوقات..

أيا كانت وظيفتك أو مسؤوليتك.. وسواء كنت تمر بهذه المتلازمة فعلا أم لا.. نحن نرجوك فكر بنفسك قليلا! رائع أن نهتم بالآخرين لكن ليس على حساب أنفسنا، لأنك ستصل إلى الحد الذي لن تصبح قادرا فيه حتى على مساعدة غيرك!

اصنع قائمة بما يتعبك

انفرد بنفسك، وسجل في ورقة كل ما تشعر أنه يسبب كل إجهاد وإرهاق حقيقي.. وسجل التعديل الذي ترغب في القيام بها.. بالمناسبة لا تستعجل النتائج حتى لا يصيبك الإحباط.

فوض أعمالك الإضافية

إن كان متاحا أن تقوم بتفويض بعض أعمالك (التي يمكن أن يقوم بها غيرك وهي من مسؤولياته في الأساس)، افعل ذلك ولا تتردد.

فاصل من الراحة

قد يكون من الصعب في هذه الأزمة أخذ أجازة طويلة، ولكن أي أجازة قصيرة ستحصل عليها، ستفيدك كثيرا وتعزز إنتاجيتك.

ابتعد عن العالم الافتراضي

هي سلاح ذو حدين.. وفي هذه المرحلة سيفيد صحتك جسديا ونفسيا الابتعاد عنها قدر الإمكان، قم بالبحث عن علاقات جديدة خارج زملاء العمل، تعامل مع بشر حقيقين بتوجهات وأفكار مختلفة، سيمنحك ذلك حافز جديد.

العمل من المنزل

إن كنت مضطرا للعمل في المنزل في ظل هذه الظروف، حاول أن تقوم بتنظيم مواعيدك وأن يكون هناك ساعة محددة للتوقف عن العمل، والالتزام بأخذ فاصل من الراحة خلال ساعات العمل، والالتزام بمواعيد النوم أيضا.

احصل على الدعم

قد يختلف مصدر الدعم المفضل لك، سواء كان صديق أو فرد من العائلة، أو ابحث في بيئة عملك عن شخص يمكن التحدث معه عن مخاوفك، أو حتى المجموعات العلاجية المعروفة التي تضم أشخاص يمرون بنفس الحالة، وتساعد هذه المجموعة العلاجية في:

  • مشاركتك مشاعرك والتعبير عن ما يوجد داخلك والتخلص من الضغط النفسي.
  • الاندماج مع الآخرين والبعد عن الانعزال المستمر.

متلازمة الاحتراق النفسي تتشابه مع الكثير من الحالات الأخرى بسبب تشابه الأعراض، ونصيحتنا لك.. لا تدع تلك الاستبيانات المنتشرة عبر الإنترنت هي مقياسا لك أو بديلا عن الطبيب!

صحيح أنه يوجد استبيان شهير مخصص لتشخيص متلازمة الاحتراق النفسي، وهو Maslach Burnout Inventory (MBI، ولكن تم تصميم هذا الاستبيان لأغراض بحثية فقط.

ونصيحتنا الأخيرة لك.. لا تدع شعورك بالذنب والمسؤولية وسيلة يستغلها الآخرين ضدك ودائما.. ولا تنسى أنه ليس هناك ما يدعو للخجل إن احتجت إلى التحدث إلى أخصائي نفسي.. وتذكر دائما لا تكن شمعة تحترق من أجل الآخرين في كل الأوقات.

ADVERTISEMENT

هل كان هذا المحتوى مفيدا؟

جار التحميل...
كتب بواسطة روضة بكر - المراجعة والتدقيق: طاقم ديلي ميديكال انفو
تاريخ النشر: تاريخ التحديث:
قد يعجبك أيضا
هذا الموقع يستخدم الكوكيز لتقديم أفضل تجربة تصفح اعرف المزيد