هل الخوف من فيروس الكورونا الجديد مبالغ فيه؟

فيروس الكورونادائما تأتيني بعض الذكريات من الماضي على هيئة مشاهد متقطعة، ومع الأحاديث المستمرة عن فيروس الكورونا الجديد هذه الأيام، أتذكر جيدا الآن بعض المشاهد عن الخوف من أوبئة انتشرت في فترات سابقة أيضا، فأتذكر التقارير على التلفزيون، عناوين الأخبار، أحاديث العائلة، جدل أصدقائي في المدرسة!

ADVERTISEMENT

واليوم أسمع عن إصابات بالجملة.. حالات وفاة.. حظر صحي لمدن كاملة.. وفاة أول طبيب بسبب الفيروس، لا حديث للعالم في الأيام الماضية إلا عن فيروس كورونا الجديد والقلق الذي يسيطر على كل شخص قرأ أو سمع عن الخبر.. لكن لحظة ألا يذكرنا الفيروس الجديد بأحداث أخرى مشابهة؟ سارس.. انفلونزا الخنازير.. انفلونزا الطيور.. إلخ! ظن العالم بسبب هذه الفيروسات والأمراض أنها نهاية الجنس البشري!

ما رأيكم أن نسترجع سويا بالذاكرة ما مر به العالم مع أحداث مشابهة لما نمر به هذه الأيام، لعلنا نصل إلى إجابة سويا لهذا السؤال.. لماذا كل هذا الذعر بسبب فيروس كورونا الجديد بالرغم من وفاة الألاف سنويا بالانفلونزا الموسمية؟

ADVERTISEMENT

ديسمبر 2019.. فيروس الكورونا الجديد

بدأ العالم ينتبه لأخبار وتقارير منشورة عن فيروس غامض ضرب مدينة ووهان الصينية وتسبب في إصابة العشرات.. وبعد مرور فترة ليست بطويلة بدأت الأخبار تنتشر عن حالات وفاة بسبب الفيروس الغامض! من هنا بدأت التقارير تنتشر أكثر وبدأ الذعر يلوح في الأفق، والترقب أصبح هو سيد الموقف.

تطورت الأحداث بوتيرة سريعة وبدأت حالات الإصابة تتزايد، وتتزايد معها حالات الوفاة، وامتد الأمر لخارج حدود الصين ليصل إلى دول أخرى حتى تلك غير القريبة منها مثل الولايات المتحدة بسبب الفيروس الغامض القادم من الصين والغير معروف للعالم.

ADVERTISEMENT

ولكن أخيرا.. أيها العالم نقدم لكم فيروس الكورونا الجديد “2019-nCoV”، لا ليس ذلك الذي ضرب المملكة العربية السعودية في وقت سابق (بالمناسبة سبب فيروس كورونا الشرق أوسطي الذعر أيضا للعالم، ولكنه في النهاية انتهى)

من هنا بدأت نشرات الأخبار والتقارير تتحدث أكثر عن الفيروس وأسبابه وأعراضه، وكيف يمكن أن يتحول إلى وباء محتمل سيضرب الكرة الأرضية، وتحذيرات لا تنتهي عن الانتباه للفيروس الذي لا يوجد له علاج محدد حتى الآن!

قبل أن نكمل آخر تطورات الفيروس

ADVERTISEMENT
يمكنك قراءة المزيد عن الفيروس من خلال (قصة فيروس كورونا، وما الأعراض التي يجب الانتباه لها؟

)

2002.. متلازمة الالتهاب التنفسي الحاد (سارس)

لا أعلم إن كنت ممن عاصروا تلك الفترة العصيبة بسبب “مرض سارس” أو “متلازمة الالتهاب التنفسي الحاد” المتسبب فيه “فيروس كورونا المرتبط بالسارس (SARS-CoV)” والذي بدأت ملامح ظهوره عام 2002 بجنوب الصين وظل مستمر في تداعياته حتى عام 2003.

أنا شخصيا أتذكر بعض الأحداث التي تمر على ذاكرتي الآن، بحكم عمري لا أتذكر كل ما حدث بالضبط، ولكني مازالت أتذكر حالة الرعب والترقب الموجودة في بيتنا بالرغم من ابتعادنا عن الصين بساعات وساعات، وكأن الفيروس يقف على باب منزلنا ينتظر الدخول!

ADVERTISEMENT

يعتقد أيضا أن الفيروس كانت بدايته من الخفافيش وانتقل بعد ذلك للبشر، كما هو الاعتقاد الآن عن فيروس كورونا الجديد.

عموما ضرب السارس 26 دولة، وأصاب 8000 شخص حول العالم، وتسبب في وفاة 774 شخص حول العالم، ولكن تضافر الجهود من المؤسسات المسؤولة حول العالم، منع انتشار المرض أكثر من ذلك، ولم نسمع عن حالات مصابة به منذ عام 2004! بعد أن ظن العالم أنه النهاية كانت وشيكة.

2006.. انفلونزا الطيور

بالرغم من تواجد مرض انفلونزا الطيور H5N1 (الذي يؤثر على الجهاز التنفسي) منذ عام 2003 في فيتنام، ولكن بداية الفزع والاهتمام به في البلاد العربية كان عام 2006 تقريبا، ومن هناك بدأت التقارير والتنبيهات والتحذيرات من المرض القاتل أحيانا، خاصة مع انتشار عادة تربية الطيور على أسطح المنازل في كثير من الدول العربية.

ADVERTISEMENT

هنا بعض الدول العربية اتخذت قرار ذبح كل الطيور الحية في ذلك الوقت، بل هناك بعض الدول المستمرة في قرارها حتى الآن!

لا توجد إحصائيات دقيقة حول عدد الحالات المصابة أو المتوفاة بالمرض لكنها ليست بالرقم الكبير في تلك الفترة مقارنة بالسارس ولا بالذعر الذي حدث للبشر بسبب المرض، وأغلب الحالات المصابة كانت نتيجة الاحتكاك المباشر مع الطيور وليس نتيجة انتقاله من شخص إلى آخر.

2009.. انفلونزا الخنازير

هنا تسعفني ذاكرتي أكثر، أتذكر التوعية والتنبيهات المستمرة في مدرستي، قنوات التلفزيون، والمنشورات الموزعة، والخوف من إصابتنا بانفلونزا الخنازير H1N1 في كل مرة كانت تظهر أعراض نزلات البرد علينا.

ADVERTISEMENT

بداية ظهور مرض انفلونزا الخنازير كان في المكسيك عام 2009، ومصدر خطورته مقارنة بانفلونزا الطيور، هو إمكانية انتقاله من شخص لآخر، وبسبب ذلك توفي الآلاف من البشر بأرقام بعض التقارير وصلت إلى 18,000 وبحسب تقارير أخرى غير مؤكدة بشكل حاسم وصلت إلى 200,000!

أتذكر الإجراءات الوقائية والسعي إلى إيجاد لقاح للمرض، وبالفعل وافقت إدارة الغذاء والدواء الأمريكية عليها، وبحلول نهاية ديسمبر 2009 أصبحت اللقاحات متوفرة لأي شخص يريد الحصول عليها، ومع أغسطس 2009 أعلنت منظمة الصحة العالمية انتهاء وباء انفلونزا الخنازير.

لكن لحظة..

بعد مرور عشر سنوات تقريبا، وحسب التقارير المنشورة الآن وبعد عدة دراسات، يذكر موقع خدمة هيئة الخدمات الصحية البريطانية NHS أن انفلونزا الخنازير (حسب تسميتها في 2009) ما هي إلا نوع من الانفلونزا الموسمية الجديدة من نوعها في ذلك الوقت، وسميت بذلك لأنه كان يشبه تلك الانفلونزا التي تصيب الخنازير، أو لأن الأشخاص الذين أصيبوا بالمرض كانوا في تواصل مباشر مع الخنازير حسب بعض التقارير الأخرى.

الاسم العلمي للفيروس هو A/H1N1pdm09 ويختصر حسب ما نعرف إلى H1N1، وسبب سرعة انتشار المرض هو أن فئة الشباب كانت غير محصنة منه أو بسبب ضعف المناعة.

انفلونزا الخنازير سابقا.. الانفلونزا الموسمية حاليا!

وبالتالي أصبحت انفلونزا الخنازير الآن مصنفة ضمن الانفلونزا الموسمية التي تصيب الآلاف كل سنة، ولم تعد بنفس مستوى الخطورة التي كان يشار إليها سابقا، وأصبح اللقاح الموسمي للانفلونزا هو لقاح (انفلونزا الخنازير سابقا) أيضا.

الانفلونزا الموسمية.. ووفاة الآلاف سنويا!

عزيزي القارئ سنذكر معا بعض الإحصائيات البسيطة أولا، انتبه معي جيدا.. حسب منظمة الصحة العالمية هناك 4 أنواع من فيروسات الأنفلونزا الموسمية المعروفة التي A، وB، وC، وD.

كم عدد الوفيات بسبب الانفلونزا الموسمية سنويا؟ حوالي 646,000 

نعم كما قرأت الرقم، أكثر من نصف مليون شخص سنويا يموتون بسبب الانفلونزا الموسمية! وهو الرقم الذي يتخطى كل ما سبق أن ذكرناه من ضحايا الأوبئة التي انتشرت في فترات مختلفة من الزمن! وهنا ننتقل إلى السؤال الذي طرحناه في أول التقرير..

فيروس الكورونا الجديد.. لماذا كل هذا الذعر؟

هنا قد تتساءل لماذا كل هذا الذعر بسبب فيروس كورونا الجديد أو ما قبله من فيروسات وأمراض، إن كان عدد الوفيات بسبب الانفلونزا العادية سنويا أكثر من نصف مليون، وهو يتخطى كل عدد الوفيات الأمراض التي صنفت كوباء.

إذا قمنا بتطبيق وضع فيروس الكورونا الجديد مع ما قبله من فيروسات أو أمراض مرت على عالمنا في السنوات السابقة، فقد نجد في إجابة منظمة الصحة العالمية عن نفس السؤال ولكن عن انفلونزا الخنازير إجابة على سؤالنا حول كل ما سبق!

ببساطة تحدث الانفلونزا الموسمية وتتغير الفيروسات كل عام، ولكن تظل مناعة الناس موجودة ضدها، مما يساعد على الحد من الإصابة بها أو التعامل معها، بالإضافة إلى توفر اللقاحات المطلوبة لها.

أما انفلونزا الخنازير ومن بعده فيروس الكورونا أو أي فيروسات مستقبلية قد تظهر، فسبب الذعر والتحذيرات المستمرة ضدها، وحالة الترقب من كل المؤسسات حول العالم، يرجع إلى أنه لا يوجد لدى معظم الناس مناعة ضدها، أو مناعتهم ضعيفة، خاصة مع عدم توافر اللقاحات المطلوبة بسبب الفيروس جديد الظهور.

هنا لا ننكر أبدا أن الإجراءات الوقائية التي اتخذت كان لها دور كبير في تحجيم ما أطلق عليه “الأوبئة” في ذلك الوقت الذي حدثت فيه، ولا نتمنى سوا أن يتم الإعلان عن انتهاء حالة الطوارئ الخاصة بفيروس كورونا الجديد كما هو الحال مع ما سبقه من أوبئة، ونذكركم بضرورة اتباع قواعد النظافة الأساسية وأبسطها غسل اليدين جيدا، وتجنب المرضى المشتبه بهم وهو خير الأمور التي يمكن القيام بها.

وهنا أتذكر جيدا تلك العبارة التي كتبت على حائط مدرستي الابتدائية “الوقاية خير من العلاج“.

ADVERTISEMENT
قد يعجبك أيضا
هذا الموقع يستخدم الكوكيز لتقديم أفضل تجربة تصفح اعرف المزيد